الأحد، 31 مايو 2015

الحلقة السابعه والعشرون

فى صالة الانتظار فى مطار لندن هيثرو يمر امام عينى شريط الذكريات تعود بى لاكثر من عشرة اشهر مضت يوم تألمنا جميعاً واختلف الالم على حسب المُصاب ....زال عن بعضنا للابد .........وسكن آخر ايضاً للأبد ....سيارة افلتت طريقها وجُن مسارُها فراحت تتخبط بعرض الطريق ....حاول كريم مفاداتها فانقلبت السياره بنا.....انقلبت مرتان على حافة الطريق واستقرت على جانبها الايمن حيث كريم خلف المقود وخلفه بيان وانا وبيسان فى المقعد المجاور .....
استعدت وعيى على ألم والالم الاكبرقد شد اوصالى وخنق انفاسى على اسرتى وانا وحدى فى الغربه ...اول ما نطقت به بيسان ...كانت على قدمى حوطتها بذراعى حين انقلبت السياره.....فى سرير مجاور كانت نائمة طمئنتنى الممرضه عليها فذهبت ابحث عنهم بيان وكريم ....يا وجعى ...الصغيره فى غرفه العمليات اصيبت فى ساقيها ...صعدت الى غرفه العنايه اهرول ارى كريم من الزجاج متصل بكم من الاجهزه .....وضعت يدى على فمى ووقعت فى مكانى استغفر وادعو بكثرة ..بلهفه ..لا اركز فيما اقول من شهقاتى المكبوته ودموعى التى تصارعنى واقتلها قبل ان تتجاوز مقلتى .....قضيت ليال لااعلم صُبحها من مسائها ...حين استفاقت بيان عادت نبضاتى الى قلبى رغم الصدمه التى تلقيتها واغلقت عليها قلبى وسمعى ولم ارددها حتى لنفسى ثانية ان الفتاة ان الطفلة الصغيرة ذات الست سنوات لن تضع قدمها ثانية على الارض .....والوجع الاكبر لازال ...لازال كريم يعانى ....يخرج من عمليه الى اخرى ويقضى ما بينهم غائبا عن الوعى لا يفيق الا لحظات ....أُقبل يده ويسألنى عنى وعن الفتايات فأطمئنه ....ثلاثه اشهربعمر باكمله ....ياااه كم مؤلمٌ هو ان تتذكر تفاصيل الالم .....تفاصيل اللحظات الاخيره قبل الفراق ...
تفاصيل الوجع ...وآهات النفس ...ودموع الاحباب ....

قبل العملية الاخيرة اذكر حين قال كلام كانت هى اخر كلماته ..قال وهو ينظر فى عينى : بيان ..انت امها مش كده ...هتاخدى بالك منها ومش هتسيبيها .....ترقرت الدموع فى عينى وهززت رأسى انفى ما شعرت .....ابتسم هو واكمل ...انا واثق انها هتكون اغلى عندك من بيسان وهتكونى افضل ام ليها ....ابتلع ريقه بصعوبه واردف ...لما تبقى بيان عروسه وتلبسيها الطرحه بأيدك قوليلها بابا كان بيحبك اوى ...

ايقظتنى الصغيره من وجع الذكريات حين وضعت يدها على يدى وهى تجلس بجوارى على كرسيها المتحرك 
: ماما هنركب الطياره امتى 
انتبهت للنداء المتكرر فى صالة الانتظار بقيام الطائره المتجه الى مصر ..
اجلستها بجانب النافذه تراقب السماء ..واتذكر كيف جئنا سويا انا وهى بعد ان حدثتنى احد الصديقات هناك ان الطبيب الذى انتظرته منذ الحادثه ليجرى لها العملية التى تُمكنها من السير مره اخرى قد وصل لندن...كنا وقتها عدنا الى مصر..عدت التف بوشاح الحزن عليه بين اهلى واهله..احضن ذكرياتى البسيطه معه كما احضن الفتاتان ...
كيف جئتُ بالامل ان تعود صغيرته وأمانته تمشى وتركض من جديد ...
نجحت العمليه وستحتاج لعلاج طبيعى بفتره ليست قصيره لكن الامل بالله معقود ....

استقبلنا الجميع بالمطار ابى وامى ومحمود زوج امل وحبيبتى بيسان ...بكت بيسان عندما رأتنى وكانها تعاتبنى ان فارقتها لشهور ..الصغيره كان صعبٌ عليها فراق الاسره كلها..سفرَنا انا وبيان ورحيل والدها للابد ....

عندما عدنا الى مصر بعد الوفاه كانت بيسان لا تتحدث الا كلمات بسيطه ..كانت بابا هى اول الكلمات التى نطقت بها....لم تشبع منها فقدته سريعاً ...فى بيت خالتها عادت تقولها كما يرددها ابناء خالتها لمحمود ...وكانت تقول غيرها ايضا ...تحدثت بشكل اسرع فى وجودها بينهم ...ولما عدت كانت تتحدث كثيرا عن مى التى كانت ترعها مع امها وتذكر لى بيسان ماذا قالت مى ماذا فعلت مى ..وكيف ضربت لها حازم المشاكس الذى يضايقها ...

لم تحتاج بيان فقط علاج طبيعى لقدميها ..احتاجت الاكثر من ذلك احتاجت علاج نفسيا يمحو اثار الحادث لكنه لن يفلح فى ان ينسيها والدها وفقده ومن قبله فقد والدتها ربما كانت صغيره لا تعى ..لم تراها فتتعلق بها كما رأته وتعلقت به ...لم يكن لها ابا عادياً كما لم يكن لى زوجاً عادياً ....

اعترف انى لم أُغرم به مذ رأيته وغرامى فى البدايه كان منصب تجاه ابنته وأعترف ايضا اننى عشقته فيما بعد ...احببته ..احببت فيه الاب ..كنت اغار من معاملته لصغيرته ...لذكائهما فى التعامل معاً يفهمها من النظر اليها ومن نظرة عينيها حين تستعطفه ليوافق على ما تطلب وتعلم رفضه ....وتفهمه حين ينظر لها دون ان يتكلم وتقول وهى غاضبه مطأطأة الرأس : بيبى أووول لبابى حاضر ...فيحضنها ويحملها ويلف بها ثم يرفعها فوق كتفيه ويظل يدورويلف فى الغرفه ويظلان يضحكان ....ما وجدته فى كريم كان الترجمه الحقه للآية " ومن اياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " 
كان السكن والرحمة ..كريم ..وكان كريماً فى كل شىء فى حبه وحنانه وتفهمه ...لم يطلب منى اكثر مما اعطيته ..احببته واحببت عطفه واحببت حياتى معه واسرتى وبيان طفلته التى اصبحت ابنتى وإن لم الدها ورزقنى الله منه اختها ليزداد ارتباطنا ويستوثق ..
بيسان فَرِحة جداً لعودتنا فرحة بى وبأختها تسحبها من يدها لتلعب معها كما كانت تفعل فى لندن تنظر لى بيان وتنظر الى اسفل فأسرع لاحل الامر واحدث بيان ان الامر لن يطول لن تظلى يا حبيبتى على هذا الكرسى ستقومين من جديد ...علمت بيسان ان تحضر لبيان ما تود ان تريها اياه من العاب ورسومات ترسمها ...
كان علينا ان ننتظم سريعا فى مركز للعلاج الطبيعى تعلمت بعض التمرينات من الطبيب المعالج بلندن وكنت انفذ بعضها لكن كان لابد من المداومه على العلاج بمركز مختص ..
لم تكن لدى امى طاقة ان اترك معها هذه الطفله المشاكسه كثيرة الحركه والكلام بيسان فكنت اتركها عند امل واذهب مع بيان لجلسة العلاج ...

كنت احتضن بيسان ذات مرة حين لمحت سنسال برقبتها ..اعرفه ..اعرفه جيدا...
: بيسو مين لبسك دا 
بكل براءه وطفولة اجابتنى وهى تحاول النزول والفكاك منى الى العابها ..
- طاطا
: طاطا ؟؟!! مين طاطا ؟؟ 
- عمو طاطا 
لم يكن لدى شك ..اردت ان اتأكد 
هو ..نعم هى نفس السنسال بنفس الدلايه ...كيف رأته بيسان ..كيف عرفها ..لما اعطها لها ...
لم يكن هناك اى تفسير سوى تفسير واحد وهو انه كان يراها عند أمل ومحمود ...




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق