الجمعة، 13 يناير 2017

42

42 كما انا
دخلت اليها الغرفة السيدة ام ايمن وهى تحزم حقيبتها ، لم تسطتع الابتعاد عنها اكثر من ذلك تتحاشاها منذ الصباح حتى لا ترى دموعها لكن الوقت قد حان وعليها ان تعد نفسها للمغادرة ، احتضنتها بقوة واجهشت بالبكاء رتبت نادين على رأسها وقبلت جبينها وقالت : لا تبكى هكذا يا خالتى لا اتحمل تلك الدموع ..لن اغيب عنك  سأظل ابنتك وسأسأل عنك دوما وازورك ..لا تبكى رجاءا ..انا اجاهد نفسى من البارحه ...رجاء لا تزيدى الامر سؤا
مسحت ام ايمن دموعها بظهر كفيها وقالت
لا بأس يا ابنتى تلك دموع الفرح لانك عائدة لاهلك،  ثم لم تتمالك نفسها مجددا وانهمر الدمع منها واردفت بصوت باكى ونفس متقطع …
اعتنى بنفسك جيدا ، ودعينى اطمئن عليك دوما
حبست ما بقى من الدمع  وابتعدت بضع خطوات وقالت : هيا لاساعدك ..
ابتسمت نادين بهدوء واكملت معها طى الملابس داخل الحقيبه
فى المساء
وقف المحامى على باب المنزل ينتظر خروج نادين اليه ، قالت نادين وهى مضطربة النظر: اين هو ؟!!
قال المحامى :دكتور شادى  ينتظرك فى المنزل سيدتى
نظرت الى عبد الرحمن الذى اومأ برأسه لها ، ثم نظرت الى ام ايمن التى احتضنتها ودموعها التى لم تتوقف تبلل ملابسها
تركت حضنها والتفتت تنظر ببطىء لارجاء المنزل واستقرت عينيها على تلك الغرفة المغلقة القابع خلف بابها ايمن  ، كم تمنت ان تودعه قبل ان تذهب لا تدرى هل ستراه مرة اخرى ام ان الحلم الذى بدء بكابوس الانتحار ينتهى الى حيث لا تعلم ، رمشت وعادت بنظرها الى حيث المحامى عند الباب فحملت حقيبتها وتبعت المحامى الذى سبقها .
مضت تحمل هما وقلقا جديدين ،  تنظر من زجاج نافذة السيارة حديثة الطراز الى الشوارع الضيقة والمنازل البسيطه التى ارتاحت بين جدرانها وعاشت بين اهلها ، سيطر عليها الضيق من فراقهم فحاولت تذكر انها الان تعرف هويتها وستذهب الى بيتها ومكانها الطبيعى وهناك ستتذكر وستعود اليها الذاكرة كما اكد لها الطبيب اكثر من مرة ، فحاولت الابتسام من الفكرة ، كان الطريق طويلا سمح لها باجترار الاحداث البسيطه التى تتذكرها عقب الحادث جميعها بطلها ايمن ، وترقرق الدمع فى مقلتيها حاولت سريعا الخروج من تلك المشاعر التى اجتاحتها فنظرت للامام فرأت المحامى الذى يأخذها الى بيت زوجها فخجلت من نفسها انها تفكر بأيمن وقد اصبح غريبا عنها ساعدها على الخروج من تلك الافكارهاتفها النقال الذى رن باسم يمنى التى عاتبتها ..
بهدؤ اجابت : لا احب لحظات الوداع
...يمنى نحن اصدقاء لن نفترق ...اليس كذلك
اذا فلما الوداع
سأحدثك باستمرار وانت كذلك
اغلقت الهاتف ..كانت السيارة قد وصلت الى مشارف فيلا كبيرة ذات صور كبير وبوابة حديدية كبيرة
انطلق زامور السيارة يخبرهم بالقدوم ….فاتى رجل كبير يهرول وفتح الأبواب الحديدية ثم أغلقها خلف دخول السيارة ..
اقتربت السيارة من المبنى الدائرة القابع فى منتصف الحديقه التى لاتظهر كاملة بسبب الظلام  على  الرغم من المصابيح  المضائة على الجانبين وقفت اخيرا امام الباب الذى يعلو عن الارض بضع سلمات فتح الباب وخرجت منه خادمتان حملتا الحقائب ودخلن دخل خلفهم المحامى الذى اشار لها بالدخول كان على جانبى الباب يقف الخدم مصطفين مررت ناظريها سريعا عليهم ثم بدأت تنظر ببطء اكثر للمكان  
اماكن الجلوس ، التحف ، الصور والبراويز على الجدران ، المدفأة والكرسى الهزاز امامها ، شاشة التلفاز الكبيرة التى تملىء الحائط والمقاعد امامها ، السلم والدرج ، النجف والاضائة المختلفه لكل ركن …
اخيرااااااا يا نادين
التفتت حيث الصوت ، فكان شادى كما توقعت
شاب وسيم انيق نحيف بين الطول والقصر ، هتف باسمها واقترب فاتحا ذراعية ، فعادت خطوة للوراء ففهم وانزل ذراعية فقال المحامى
سيدى معذرة السيدة نادين لازالت لا تتذكر اى شىء من الماضى ، ومد يده بملف من الاوراق واردف
هذه تقارير حالتها الصحية
قال شادى وهو لا يزال ينظر اليها بشغف
اجل ذلك كله الان ، فانا سعيد بعودة نادين وسلامتها
قال المحامى : حسنا سيدى ..حمدلله على سلامتها
واستئذن للانصراف
اذن له واشار للخدم ايضا بالانصراف
وقف قبالتها وقال بهدوء
حمد لله انك بخير
ثم نظر للدرج الذى اتت منه وقع خطوات ...أبتسم وقال
خالتى عادت نادين
هبطت الدرج بتأن بالغ ممزوج بصوت طرقات حذائها ذو الكعب العالى  تنظر الي نادين مع كل خطوة تهبطها الى اسفل ..حتى وصلت الى اخر الدرج
سيدة فى نهاية الاربعين غير محجبة ترتدى ملابس متصابية تظهرها اقل من سنها لكن تجاعيد يدها واسفل وجهها ظهرت عندما اقتربت من نادين وصافحتها ببرود
حمدلله على سلامتك ..ظنناك مت
قالت نادين
يبدوا ان لى انفاسا لم استنفذها بعد .
قال شادى
بالتأكيد انت متعبه ..تعال معى الى غرفتك لتستريحى ..سأخرج قليلا وحين اعود نتناول العشاء معا
اوصلها لغرفة فى الطابق الثانى بينها وبين باقى الغرف ممر ونزل هو ليذهب كما قال لها ، فى طريقه للخروج قابل خالته التى كانت لا تزال فى الاسفل ، ما أن رأته حتى وضعت يدها على خصرها بامتعاض اقترب منها وقال مداعبا:
خالتى الجميله لما انت منزعجة
انزلت يدها وتنفست بضيق فأردف
: نادين فقدت الذاكرة لا تتذكر اى شىء ....
هدأ بركان غضبها وتغيرت نظراتها تفكر فى الامر فأتبع هو
: كما اخبرتك من قبل عامليها بلطف فهى لا تتذكر كيف كانت علاقتكما و لا تتحدثى معاها عن الماضى ..
نظرت اليه وقالت : الى متى ذلك الوضع
رتب على كتفها وهم بالانصراف ملوحا بيده وقال : لدى موعد الى اللقاء …
فى الغرفة
غرقت نادين فى بحر الاسئلة الذى لا ينتهى ولا يجف بل تشتد امواجه وتتلاطم ..ارادت لو كانت الذكرة شيئا ماديا  فتنهال عليه ضربا حتى يتكسر
بعد قرابة ساعتين اتاها صوت الخادمة تخبرها ان السيد شادى ينتظرها على العشاء فى الاسفل اعادت ربط حجابها كشىء اعتيادى  لكنها توقفت لحظه امام المرآة هل عليها نزعه فواقع الامر هو زوجها ، استصعبت الامر وهتف داخلها يالا هذا العناء ويالا تلك الذاكرة العنيدة ، هبطت اليهم قبل ان يمتد بها التفكير وتلك المشاعر المرتبكة ، على المائدة كان هو على رأس الطاولة وخالته على الكرسى المجاور بحركة لطيفه حرك لها الكرسى المجاور له من الطرف الاخر فجلست تحت نظرات الخاله التى كانت تخترقها  حتى دون ان تنظر نادين اليها وحين كانت تتلاقى عينيهما تبتسم لها الخالة ابتسامة صفراء فترد لها نادين الابتسامة فى توتر .
انتهى العشاء ببرود كما بدء وكما استمر طيلة جلوسهم معا ، صعدت الخالة لغرفتها واراد شادى ذلك ايضا  فأستوقفته للحديث، التفت اليها قائلا : هل تريدين شيئا ؟!
قالت بتلعثم : يعنى اود التحدث اليك قليلا
خرج بها الى حديقة الفيلا فأذهب ذلك الهواء المنعش بعض الارتباك الذى سيطر عليها
قال : هاه ...انا اسمعك
قالت : اود ان اعرف كل شىء عنى ...عن اسرتى ...وامى ..وكيف توفى اخى ...كيف تزوجنا ؟؟؟
ضحك بصوت عالى قائلا : انت تريدين اذا كتابا لتاريخ حياتك مفصلا
اربكها صوت ضحكه العالى لكنه سرعان ما انتبه فعاد لنبرة صوت رقيقة  وقال : اعلم ان الامر غريب عليك ...وعلى انا ايضا ..
زوجتى حبيبتى التى كنت اعشقها حد الجنون نجد سيارتها واشيائها بالقرب من البحر ويخبرنا من رأوها انها رمت بنفسها به ..منتحرة
تملك صوته نبرة حزن ووضع رأسه بين كفية ثم اكمل
عشنا لحظات قاسيه حزنا عليك ..والدتك لم تتحمل تلك الصدمة ايضا
قاطعته متلهفه : وماذا حدث لها ؟؟!
قال متأثرا : لم تستطع العيش هنا وحدها بعد رحيلكم عنها اباك ثم اخوك ثم انت ..خفت عليها من سوء حالتها النفسية فارسلتها لقريبكم ذلك الذى يعيش فى استراليا ..ابن خالت والدتك على ما اظن
قالت متلهفه : هل اخبرتها اننى عدت ؟ بالتاكيد تتواصلان
قال متأسفا : للأسف بعد ان سافرت لم اعلم عنها شيئا ..
قالت : رقم هاتف ، عنوان …
قال : كانت هى من تحدثنى دوما …
سكت قليلا
فقالت تحثه على الكلام : ثم ماذا ؟؟!
قال : لم تتحدث منذ شهور و الرقم الذى كانت تحدثنى منه لم يعد يرد …
قالت بأسى بالغ : ماذا حدث لها ..
شعر بحالتها فمال بجذعه حتى لامس يده كتفها وقال : لا تقلقى يا حبيبتى بالتأكيد هى بخير...ساعمل جاهدا على ان اجد طريقة نصل بها اليها مجددا …
اعادت ظهرها للخلف لتبتعد عن يده ..فشعر بالخجل فقبض يده اليه متأسفا ..
فسألته : كيف تزوجنا ؟!
اعاد هو أيضا ظهره لمسند الكرسى ونظر نظرة للنجوم ولانت ملامحهه وقال :
كنت  تأتين كثيرا لشركة والدك خاصة فى السنة الاخيرة من تخرجك ...وكنت...اراك كلما اتيت ..وحين طلبت يدك من والدك لم يرفض ..لكن …
قالت : لكن ماذا
اكمل : لكن حادثة والدك عطلت الامر ..جددت طلبى من والدتك بعد فترة ولم تمانع
سألته مجددا : هل كانت بيننا قصة حب ...اقصد هل كانت بيننا مشاعر متبادلة قبل تقدمك لخطبتى
ارتبك قليلا قبل ان يجيب : لم تكن قصة بالمعنى لكن تستطيعين ان تقولى عنها انها كانت مشاعر صادقة متبادلة
قالت : كيف ؟
قال : لم يكن الامر طويلا ..عندما رأيت نظراتك لى تقدمت فورا
اومأت برأسها
تحرك حتى جلس على طرف مقعده وقال بلطف ورقة
: كنت تعشقيننى بجنون
اخفضت رأسها فأكمل هو : كان زواجا مثاليا وكان حفل زفاف لا مثيل له
رفعت رأسها مجددا وسالته
: هل لنا صور
قال : نعم لنا
قالت : اريد ان اراها
سكت برهه ثم قال : على جهاز الكمبيوتر الخاص بى ..سأحضرها لك غدا
هم واقفا لانهاء الحوار وقال : ألن تنامى
فباغتته بسؤال اخر : كيف مات اخى ؟!
جلس مرة اخرة وعلت تنهيدة منه على اثر سؤالها
وقال ناظرا لاسفل :
من جرعة مخدر كبيرة
وضعت يدها على فمها من وقع الخبر
ساعدها على النهوض قائلا : يكفى هذا الليله ...لم اكن اود اخبارك لكنك بالتأكيد كنت ستعلمين …
قالت وهى بالكاد تجر قدميها : هل كانت تعلم امى
قال : وكيف لها ان تعرف
قالت : من كان يعطيه ذلك السم
قال : بالتأكيد رفقة سوء
صعدا الدرج ووقفا امام غرفتها فقالت :
هل كانت هذه غرفة نومنا
قال وهو يمد يده لمقبض الباب : نعم
لكن لا تقلقى لن ازعجك حتى تعتادى الامر ..نقلت اشيائى لهذه الغرفه
واشار بأصبعه نحو اول غرفة بعد الممر
اغلقت الباب خلفه وغاصت فى الافكار ...تحاول تخيل الاحداث كما قالها ..تحاول رسم الوجوه وتعبيراتهم وتخيل انفعالاتهم ...تحاول وضع نفسها فى الصورة ...اين كانت وقت ذلك ، بماذا شعرت ، ترى ما كان ردة فعلها ..
لم تتذكر ولم تطفىء الاحداث التى ذكرها نار اشتياقها لمعرفة كل شىء عنها وعن حياتها السابقه
لكن يبقى اللغز الكبيروالسؤال المحير
لماذا انتحرت ؟؟؟!