الاثنين، 24 أكتوبر 2016

36



امام المياه الهادئة على الكورنيش جلس تحتضن يده يديها يرمقها بنظرات متتاليه تبث الشوق اليها ، تزلزل اوصالها كلما التقت بنظراته ...
قالت بصوت مبحوح يكاد يسمع
: هل ستظل تنظر الى هكذا
ضحك حتى ظهرت اسنانه البيضاء المتراصه فزادته تألقا وجاذبية ودار فى المكان بعينيه ..
ثم عاد بهم الى موطنهم ..
فقالت مرة اخرى
: هل ستعود الى نفس الحاله
تعمق فى سواد عينيها وقال
: لا ادرى ماذا حدث ...عندما كنا ببيت خالد و يمنى كان لدي الكثير لأقوله لك
سكت برهة ثم ابتسم ابتسامه رقيقه واردف
لكننى حين نظرت إليك نسيت ...نسيت كل ما كنت اود قوله ...اتوه عن الدنيا كلما نظرت اليك ..اتبعثر كلما اردت الحديث معك ..افقط النطق ..او ربما لم اتعلم الكلام من قبل ...
قالت : منذ متى ؟!
قال : منذ قدمت الينا ...
والان بعد ان صرت زوجتى تطلبين منى الكلام ...
نظرت للارض فى خجل وخيم الصمت قليلا
رفع وجهها بأصبعيه من اسفل فكها حتى استوى ناظريها امامه ..وقال
نادين ...لا تحرمينى منهما ..
قالت : لما تنادنى نادين ..الجميع لا زالوا يدعوننى سارة
قال : لا ادرى ...لكننى احبك  ..بماضيك وحاضرك ..والمستقبل الذى تريدين ...
تنهدت ثم قالت : لكننى لا اعلم الماضى ولا ادرى كيف سيكون المستقبل وانا هكذا على هذا الحال
فتح كفها ودار بأصبعه فى باطنه وقال
هل تعتقدين اننى احببتك لانك سارة ...تلك الفتاه التى انقذها اخى واتينا بها الى منزلنا فاقدة للذاكرة...وتعايشت مع اسرة بسيطة الحال واخذت منهم طباعهم وثقافتهم وتربيتهم واخلاقهم وكانت واحدة منهم ...
هل احببتك لانك اصبحت كيمنى او يارا او احد افراد عائلتى ..هل احببتك لانك تشبهيننى ..
هل احببتك حين علمت من انت ؟!!
هز رأسه ببطأ نافيا واكمل فى هدوء
دعك من هذا كله ..السؤال حقا هو ...هل سأظل احبك ان كان فى ماضيك غيرى ..
انتبهت بحواسها كلها اليه ..وانصتت اكثر لحديثه فأكمل بلطف :
احببتك حبا لا مشروط ..لا لكونك سارة او لانك نادين ..ابتسم وقال : وحتى لو صرت شيماء ..سأحبك ايضا .
ابتسمت خجلا وراحت تتأمل فى المياه التى يغطيها الظلام الا من اضواء اعمدة الانارة والمبانى التى تطل عليها
ايمن : مابك ؟!!!
نادين : قلقه ..
ايمن : اتفهم ذلك
نادين : على قدر ذات اللهفة التى اود بها معرفة ماضى ..اهرب منه واخاف وتسيطر على تفكيرى فكرة الانتحار ..
وانها سبب ما انا فيه ..الانتهاءمن مأساه كنت اعيشها ولا اجد لها نهاية ...وها انا خارجها أاعود لها بقدمى ..
قال ايمن بتفهم
: الانسان يا حبيبتى كل لا يتجزأ بماضيه وحاضرة بأحزانه والامه التى عايشها وانتهت او التى يعيشها وستنتهى، بلحظات فرحه وسعادته وسعادة من حوله به وحزنه لهم او عليهم ، بالخبرات والدروس التى شكلت افكاره ومعتقداته وشخصيته ..منا من ينجح ويسيطر هو على تلك المشاعر والافكار ويدعم بها شخصيته ..ومنا من تسيطر هى عليه ..وتصيبه بالكآبة والحزن والتعاسة وتصل معه الى الرغبه فى التخلص من الحياة كلها ..
قال ايمن كلماته وهما يسيران بجوار سور الكورنيش
قالت : اود ان اذهب للبيت الذى كنت اعيش فيه ..
نظر اليها وااومأ برأسه وابتسم
ايمن : اخذت العنوان من تلك الفتاه واخيها ، نظر فى ساعته واردف : الوقت تأخر سنذهب اليه غدا

فتح باب شقتهم بالمفتاح وخلفه نادين ...وجدا ام ايمن فى انتظارهم ..وقفت بمجرد سماعها صوت المفتاح ..وضعت يدها فى خصرها وانتظرته يغلق الباب ..
قال ايمن وقد توقع من شكلها نوبة من الصراخ والتوبيخ لا يعلم سره ..
فقال مشاكسا ..
: اين العشاء يا ام ايمن ..هل ستتركينا ننام دون عشاء
قالت بنبرة حاده
سارة ادخلى غرفتك
دخلت نادين وهى تنظر الى ايمن ربما تفهم ما بها الخاله ام ايمن ..
هز ايمن رأسه لتنفذ نادين ما طلبته الخاله ام ايمن
اغلقت الباب واختفت خلفه
فقالت ام ايمن بأنفعال
هكذا يا ايمن !!! هكذا علمتك وربيتك !!
تأخذ الفتاه وتغيب بها عن البيت حتى منتصف الليل
بنات الناس نفعل بهم هكذا
ألأن ليس لها اهل ...انا اهلها يا ايمن ...وامها قبل ان اكون امك ..اتفهم
اقترب منها ايمن وحاول مداعبتها وقال :
وماذا حدث يا امى ..نادين زوجتى
التفتت اليه وقالت : لم يتم البناء ولم تأخذها الى بيتك ولم تصنع لها فرحا ولم ترتدى فيه الفستان الابيض
ومادام ذلك لم يحدث ..فهى خطيبتك ولا يجوز ان تتاخر بها هكذا ..
قبل ايمن رأسها واسترضاها قائلا :
حسنا يا ام ايمن لن نفعلها مجددا ..ام اقول ام نادين
فأنت حماتى الان ولست امى
ضربته ضربه خفيفه على كتفه
وقالت : سأعد لكما العشاء .
قال وهو يدخل غرفته
لا تتعبى نفسك تناولناه بالخارج

خلف باب غرفتها تقف تستمع الحديث اعادت رأسها للوراء اسندته على الباب ورقت دمعة عرفان وامتنان لتلك الام التى تخاف عليها من ابنها ..كم هى محظوظه بها وكم هى اكثر حظا بحبه لها ...


الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

35 كما انا

قالت نادين بضجر وهى معصوبة العينين وابتسامة واسعة على ثغرها وسعادة تغلف صوتها الطفولى ...
: متى تنزعن تلك العصابة عنى
قالتها للفتايات الاتى يسحبنها من يديها الى مكان ما ..قالت احداهن : دقيقة واحده يا نادين وترين كل شىء
اغلقت المصابيح فى نفس لحظة نزعهم العصابة واظلم المكان الا ضوء خافت من بعض الشمعات الصغيرات على كعكعة عيد ميلاد واطباق واكواب عصائر ومياه غازية وحلوى اخرى على منضده دائرية ...اتسعت عيناها وتلألأت ضحكاتها من مفاجأتهم السعيده لها ...غنوا لها واطفأت الشموع واستقبلت الهدايا والتقطت معهم بعض الصور ، صورة جماعية معهن واخرى فردية مع كل صديقة، من بعيد اتت بخطوات بطيئة صديقة يبدوا انها لم تكن من المدعوات لكنها اتت ..صافحت نادين ببرود وقدمت هدية صغيره مزينة بأغلفة الهدايا ..ابتسمت لها نادين بلطف ووقفت على اليسار حين التقطت صورة جماعية لها معهن ...
نااااادين....اطلقها صبى فى عمر المراهقه قد خط الشارب فوجهه علامة...على وجهه ايضا ابتسامة عذبة مشاكسة ...اخرج من علبة زرقاء قطيفة مربعة الشكل سلسال يتدلى منه حرف s باللغة الانحليزية ...
لمعت عينا نادين حين رأته وابتسم ثغرها ثم انفرج استعجابا من مفاجأته ....رفعتها فلمعت فصوصها تحت الاضواء  ...وقالت ضاحكة 
: حرف s ؟!! وما دخلى ؟؟
وضع الفتى يديه فى جيبه فى تباهى وقال
:  اس s سامر ...اسمى انا ...
ضحكت نادين وزاد اندهاشها
: ولما ارتدى انا اول حرف من اسمك ؟!!
- اول حرف من اسمى واول حرف من ابى ايضا ...
لكى لا تنسى يا اختى الحبيبة


ترددت الكلمة فى اذناها حتى استيقظت تسمعها ايضا ....لاتعلم هل عادت لها ذاكرتها فأصبحت تتذكر ..هل ما تراه قد حدث بالفعل ام انها مجرد احلام اختلط بها التمنى مع بعض ما تعلمه وتعرفه عنها ...
امسكت الدفتر ودونت الحلم ...وضعت خطا تحت اسم سامر ...
وتحسست السلسال برقبتها ...ادارت شعرها كله جهة اليمين وفكت قفل السلسال ورفعته اليها ...تأملته ورددت تلك الجملة " لكى لا تنسى يا اختى الحبيبة "
المشوار طويل وعليها ان تبدأ ..

فى المساء اتت يارا لتصطحب نادين وايمن الى بيت العروس الجديد ..بيت يمنى وزوجها خالد ...
استقبلهم خالد ...احتضنه ايمن وبارك لهما الزواج ...وخرجت يمنى من غرفتها ترحب باختها وصديقتها وتبارك لها ايضا كتب كتابها على ايمن اخيها وصديقها ..استئذن منهم خالد وانفرد بصديقه فى غرفة الصالون لكى تجلسن الفتيات على راحتهن ...

على وجه يمنى سعادة ملحوظه لا تخطأها العين وفى عينيها بريق جذاب لا يحتاج لكلمات او تفسير ...
كانت تتفحصها اكثر يارا ..رغم انها اتت اليها اكثر من مره لكنها كانت تلاحظ فى كل مره علامات السعادة على وجه اختها وزوجها...قامت يمنى لتقدم الضيافه لكن يارا امسكت يدها وقامت هى وقالت بابتسامه
- سأقوم انا ...اجلسى انت اعلم ان لديكم الكثير لتخبرا بعضكما به .
نظرت اليها يمنى بأمتنان وانتقلت الى جوار صديقتها على الاريكه واتخذت موضعا مريحا وسألتها بمكر كيف حالها مع ايمن ...
ابتسمت نادين خجلا ..وازدادت حمرة وجهها ، ثم حكت لها عن احلامها ،
نادين : لا اشعر يا يمنى انها مجرد احلام ، استشعر حقيقتها تماما .
يمنى : اتقصدين ان ذاكرتك بدأت تعود فى صورة احلام
نادين : تتواتر المشاهد كالحلم ، ولا اتذكر التفاصيل بدقة ، ارى بعض الاشياء التى تفسر بعض تساؤلاتى لاحقاً
يمنى : لكنه حلم .
فى المطبخ هامت يارا فى حالها ..
لما لم يكن ماجد كاخيه يتزوج هنا ببلده ..ولما لم تكن هى كأختها تتجوز هنا ويكون لها منزلها وشقتها واشيائها ..ويأتى الاهل والاصدقاء لمباركتها ...
لما كان عليها ان تسافر وتفقد دفء الاهل والرفقاء ..
هل أخطأت حين وافقت على ماجد ....لكنها احبته ..احبت مرحه وبساطته ...احبت تلقائيته واندفاعه ..احبت ايضا غضبه منها ودلاله عليها ..وهل اخطأت حين تركته يسافر وحده ...بل هل كانت محقة انها تسيطيع الاستغناء عنه والانفصال ...
امتلىء الكوب وانسكب بعض العصير خارجه ..استفاقت من سرحانها وخيالها وحيرتها ...نقلت الاكوب فى صنية اخرى وجففت المنضدة ..وخرجت بها ليمنى لتقدمها لخيها وزوجها بينما هى تعد اخرى لنادين ...


رن جرس الباب ..فكانت الخالة ام على وابو على ..جلس ابو على مع ايمن وخالد وذهبت ام على لابنتيها ونادين ..قليلا وجلسوا جميعا معا...
قالت يمنى ان تلقت التهانى من جيرانها وهم ايضا جميعا ازواج جدد منذ فترات وجيزه تتراوح من عام لستة اشهر
والان هى احدثهم ...وسترتب لهم استضافة تجمعهم فيها لتتعرف عليهم اكثر  ..
قالت نادين : امر رائع جدا. ..ستكونين صدقات سريعاً واثقة من ذلك ..
كان يراقبها ايمن وهى تتحدث ...شعر بشوق كبير اليها رغم انها تجلس امامه ..وهى دائما امامه فى المنزل ..
التفتت فوجدته ينظر اليها ، بأعين يملؤها الاعجاب ، فابتسمت خجلا وزاغت نظراتها وتوترت قليلاً ...
انصرافا عن الحوار بنظراتهما المتبادلة ، غمز اليها بنصف عين ان يهما بالانصراف ، فوافقته ..استئذن منهم ايمن وقام منصرفا ومعه نادين التى ودعتها يمنى قائلة : سأنتظرك حين ارتب موعدا لجيرانى ...
نادين : وهو كذلك ..

امسك يدها وخلل أصابعه أصابعها ، فسرت قشعريرة فى جسدها انتفضت لها ، وارجحهما فى الهواء ،
سألها مبتسما
: هل تريدن العودة للمنزل الان ؟
فهزت رأسها نافيه ..
فازدادت ابتسامته ..واوقف سيارة اجرة وانطلقا بها.