السبت، 27 فبراير 2016

12

اعتادت سارة على الحياة فى هذا البيت الدافىء 
اعتادتهم جميعا ...واعتادت السيده ام ايمن التى عاملتها كابنتها...كانت ام ايمن اشد لطف اهل البيت معها ...لم تشعر سارة بالوحده فى وجودها بينهم جميعا كانت تقضى معظم النهار معها فى اعمال المنزل بين طهو الطعام وترتيب اغراض المنزل ...كانت تسمح لها ام ايمن بقدر من المساعده حتى لا تمل ...وتملىء حركتهما النشيطه فى الصباح بالاحاديث والحكايا عن ابنائها وزوجها وعنها فى صباها كيف كانت وعن احلامها عندما كانت فتاه غضه ...تعلمت سارة بعض الاشغال المنزليه وبعض الاطعمة البسيطه ...كانت تسعد كثيرا بتحضير البيض المقلى الذى يفضله ماجد فى الصباح ...
كان ماجد هو من يقوم بتلك المهمه حتى اتقنته هى واصبحت مهمتها المعتادة كل صباح ...ويشاركهما ايمن الذى يستيقظ متأخرا عن ماجد فيلحق اخر الفطور ...فتكون سارة قد انهت فطورها فتحضر الشاى وتتناوله معه ...
بتر ماجد حديثه هذا الصباح بمجرد ان خرج ايمن من غرفته ...انهى طعامه سريعا وحمل اشيئه وذهب ...
كان الامر يبدوا عاديا لو لم يتذكر ايمن حديثهما بالامس ...سرح قليلا حين تذكر ...انتبه على ابتسامه سارة الرقيقه وهى تودعه عن الباب ...وكأنهما يكملان حديثهما همسا ...
شعر ايمن بالحنق وقضب حاجبيه وقام ولم يكمل طعامه...
بادرته سارة قائله : 
ايمن ...الن تتناول الفطور 
والاها ظهره وحدثها وهو متجه للغرفه : 
لست جائع ..
ارتدى ملابسه ..وحين نظر للمرأه ليمشط شعره راى على قسمات وجهه شعورا يعرفه جيدا ...
اغمض عينيه وتنفس بضيق ....
خرج قاصدا الباب ...التفت اليها ..كانت تجلس على الاريكه تمسك بين يديها كتابه الذى احضره لها منذ فترة وكانت تقرأ منه على فترات ...وقفت حين رأته ....على لسانها كلمات ..تعجز عن العبور خارج فمها ....ابتلعتهم من جديد ..حين فتح الباب واختفى خلفه ....

عند بوابة الجامعه ...كان ماجد يقف مستندا على سيارة على الجانب الاخر من الطريق مربعا يديه ..
ينظر للساعه كل دقيقتين ...ثم يعاود النظر للبوابه ويدقق النظر الى الفتايات والفتيان الخارجين او الداخلين اليها...
اخيرا اخرج هاتفه واطلق رقما ...
قال بتوتر 
اهلا سارة ...الم تقولى ان محاضراتها تنتهى فى الحادية عشر 
ردت سارة بهدؤ : نعم 
قال ماجد : الساعه تعدت الحاديه بعشر دقائق ولم تخرج بعد ...
ابتسمت سارة ونظرت حولها وسحبت سلك الهاتف وابتعدت قليلا وهمست قائله ..
بالكاد علمت مواعيد محاضراتها اليوم ...فلا تضيعه رجاء وانتظر قليلا ...
: حسنا سأنتظر ..ساره ...هل انت واثقه من تلك الطريقه 
تحدثت سارة بصوت خفيض حتى لاتسمعها ام ايمن 
ان لم تعلم الان فمتى تعلم ...ان لم تفصح لها عن مشاعرك فمتى ستخبرها ..كن واضحا يا ماجد 
قال ماجد : وان رفضتنى ...وان تجاهلت مشاعرى او سخرت منها 
سكتت سارة قليلا وقالت : لا اعتقد 
: لماذا ؟!
: احساسى ..واحساس الفتايات لا يخطأ 
ابتسم ماجد ...واضطرب حين رأها تخرج من البوابه بصحبة صديقاتها..وقال
مع السلامه الان.... احدثك لاحقا 
عبر الشارع ...ووقف على بعد امتار قليلة وناداها 
: ياراااا
التفتت اليه باستغراب ....ثم استئذنت صديقاتها وذهبت اليه 
: ماجد !! خير ...ما اتى بك ...هل حدث شىء ..
زاد اضطراب ماجد اكثر ووقف يفرك كفية 
فاتبعت هى فى شده 
تحدث ..ما بك تقف هكذا ...
: يارا ...اناااا ...احبك


 غالب ايمن كل الافكار السلبية التى غزت عقلة ...حتى مشاكله بالعمل لم تكن تصيبه بمثل تلك الافكار والمشاعر المؤلمة ...
انهى عمله وخرج لا ينوى على لحاق اى وسيلة مواصلات ..يريد ان يسير ...حتى يفكر ويلملم افكارة المبعثرة ...تلك طريقه يحبذها حين يشغله امر ما......لكنه هذه المرة فوجأ ببعثرة افكارة ومشاعره دفعة واحده ....كان يخفى ذلك الشعور منذ ان راها ... تجاهله مرات عديدة ...تغلب عليه كثيرا ....لكنه يبقى الشعور الاقوى خاصة ان كان صادقا.....يحتاج للمصالحه مع نفسه ...يحتاج ان ينسى الماضى الذى آلمه ولازمه لسنوات ....ربما ذلك ما منعه من ان يعترف لنفسه بمشاعره تجاهها ...كان يعتقد انه اذا تجاهل ذلك الشعور ...لن ينمو بداخله ....لكن الحقيقه انه دفن رأسه فى الرمل ... ولم يرى العملاق الذى كبر كحبة الفاصولياء السحرية ..فى الأساطير القديمه ....كبر حتى كاد يخنقه ....ضرب بقدمة حصى صغيرة منتشرة على الارض  ...ولكن الان لا فائدة ..يجب ان يخرج من دائرة الوهم وان يعترف ان ماجد كان اسرع اليها ...عليه ان يعترف ان اعاقته العاطفيه منعته اشياء كثيرة واهمها سارة ....
احس الما بصدره ....عندما مرت امامه كل الصور التى جمعت سارة وماجد سويا كيف كانت تتحدث معه ...كيف كانت تضحك على نكاته ...كيف انسجما كانهم يعرفان بعضها منذ زمن ....
وكيف هى معه ...كيف تقتصر الكلمات على قدر سؤاله ..كيف تعبس او تدير وجها عند حديثه معها ...

رفع رأسه ونظر الى البنايه التى ظهرت امامه فجأه دون ان ينتبه انه قد وصل فعلا لمنزله ...قبل ان يصعد الدرجات قابل يمنى على الدرج هابطه من اعلى ..
ابتهجت لما رأته وقالت :
ايمن ..من الجيد انى رايتك اريد ان احدثك فى شىء بخصوص سارة ..
خفق قلبه بشده ..وتقطب جبينه ...هل ستخبرنى بامرها وماجد ...هل ستخبرنى ان ماجد قد عرض عليها الزواج وهى وافقت ..

قبل ان تكمل يمنى قاطعها قائلا 
فيما بعد ...انا مرهق الان 
ثم تركها وصعد 
تعجبت يمنى من حاله ماهكذا يفعل ...وما هكذا يغعل ان خص الامر سارة ...
كان المنزل هادئا ...دخل غرفته واغلق بابها بدل ملابسه وتمدد على السرير واسند رأسه على زراعيه ...
بماذا كانت تود ان تخبره عنها ...
لما لم يدعها تكمل وتخبره وينتهى من تخميناته كلها التى لا تشفيه بل تزيده حراره واشتعالا ....ربما خاف ان يفتضح امره ...ربما خاف ان لا يستطيع تحمل الخبر ...
اعتدل فى جلسته وفرك جبينه بيديه ...
وظل يردد وما دخلى انا ....فل يفعلا ما يردان ..
اخرج هاتفه وحادث يمنى ..
ظل لدقائق يسترضيها لانه تركها على السلم وصعد ...وهى تسوق دلالها على اخيها ...

كفى يمنى ..هيا اخبربنى ماذا كنت تودين قوله ...
قالت يمنى بصوت مشاغب 
لا قبل ان تعتذر اعتذار رسميا 
حسنا سأعتذر ..قبلا قولى ما هو الامر الذى يخص سارة 
تذكرت يمنى وقالت بصوت اهدى ...
تشعر بالملل وتريد ان تبحث عن عمل 
عمل ؟!
قالها ايمن باستغراب .. اكمل فى خاطره ولما تفكر بعمل وهى ستزوج ماجد ...ولما لم تخبر ماجد واخبرتنى عن طريق يمنى 
قالت يمنى 
نعم ..وتريد منك ان تساعدها 
سألها ايمن 
هل ينقصها شيئا .....هل تريد شئيا 
يمنى : لم تخبرنى ..هى فقد قالت انها تشعر بالملل وسيكون من الافضل لو تبحث عن عمل تتكسب منه وتقضى به وقتا ..
قال ايمن بمرح ..
يمنى كنت تريدين اعتذارا 
لمعت عين يمنى وتصنعت الدلال 
حتى وان اعتذرت لن اقبل ...
ايمن : ما رايك لو تشترى ثياب جديده لك 
ثم صمت قليلا قبل ان يقل 
ولسارة ايضا 
تنهدت يمنى وابتسمت ابتسامه صغيرة على نهاية فمها وقالت ..
هكذا اذا ...اممم لا بأس سأتغاطى واعتبره اعتذارا وليس شيئا اخر ...
اسمعى يا يمنى ...سأترك لامى بعض المال لتعطيه هى لسارة وانت حدثيها انك بحاجه لشراء ملابس لك انت ..حتى لا يتسبب ذلك فى احراجها ...
يمنى : فهمتك ...ستأتى معنا اليس كذلك ؟
قال ايمن باضطراب : اااتى معكم ....لا لا اذهبا انتما وان اردتم اصطحبا ماجد ..
ثم اردف قائلا ..سيسعدها اصطحابه ...
لم تفهم يمنى ما يرنوا اليه بكلامه ..لكنها انهت المكالمه ...حين نادتها امها ...

دخل ماجد من باب المنزل وحزن يرسم لوحه على وجهه ....كانت سارة ترص المائدة ...والحاج عبد الرحمن يجلس على رأسها ...خرجت ام ايمن من المطبخ تحمل اخر الاطباق المملؤه بالطعام الذى تفوح رائحته الذكيه ...
خرج ايمن من غرفته متجها للمائده وعيناه ارضا لا يريد ان تتقابل عيناه مع اى منهما ....جلس الجميع حول المائده ...حتى ماجد المتجهم ..جلس ايضا لم يرد ان يلاحظ احدا شيئا من تغيره لكنه كان مفضوحا دون ان يدرى ...حاولت سارة استشفاف ما حدث ..فكانت تتابع نظراته وتعبيرات وجهه التى تحمل الما ...
كان الحوار على المائده هادئاً يخلو من نكات ماجد وهزاره ...لاحظ الجميع ذلك حتى ايمن الذى لم يرفع عيناه عن طعامه الا قليلا ...بدا غريبا وظل عقله يعمل فى تفسيرات وتحليلات مختلفه ...حتى انهى طعامه ليمنع عقله ايضا عن ضجيج التفسيرات...والتحليلات والاوهام التى قد تجرفه ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق