الأحد، 23 أبريل 2017

48

الحلقه 48
كانت تجلس على اريكة قديمة عليها مفرش ذو الوان داكنة تستمع الى امرأه عجوز تملىء التجاعيد وجهها الابيض تضع كف نادين بين كفيها وتربت عليه بلطف كل دقيقة و تنظر اليها بتمعن
كانت تحكى لها كيف اتت الى منزل والديها بعد ولادتها باسبوع واحد
:  طلب والدك مربية لطفلتة الجديدة ، اخبرنى بالطلب احد العاملين بالمنزل لديكم ، كنت حينها ابحث عن عمل اقتات منه بعد وفاة زوجى ، فتقدمت لوالدك الذى وافق بعد ان استفسر عنى فى مكان سكنى واطمئن لى وانتقلت للعيش معكم بالفيلا ، كنت ابنتى التى لم انجبها طبعا مع حفظ المقامات يا ابنتى ، لكننى كنت ارعاك وكأنك ابنتى حتى بعد ان انجبت والدتك اخاك سامر كنت اهتم بك انت ، خاصة ان والدك كان سعيدا جدا بسامر ، كان يدللة كثيرا ، كان يدللك انت ايضا لكن سامر احتل المكانة الكبرى
اخرجت تنهيدة من أعماقها وقالت فى اسى : لولا تدليله الزائد ذلك ما كنا فقدناه ...رحمة الله عليهم
قالت نادين : احكى لى يا دادا كيف مات اخى ...ماذا الذى حدث ؟!!
قالت المربية وهى لازالت تربت على كف نادين بين كفيها : وفاة والدك كانت صدمة للجميع انت وامك واخيك ، وفاة ابيك كالاعصار الذى بعثر اسرتكم ودمر كل شىء .
ارهفت نادين السمع ونظرت اكثر لعينين المربية الضيقتين اللتان تنظران بهما من خلف منظار طبى .
قبل الحادث بيومين اخبرك والدك ان هناك متقدم لخطبتك تصنعت الامبالاه امام والدك الى ان صعدت الى غرفتك وكنت خلفك ، قفزت فى الهواء فرحا وقلت لى وانت فى غاية السعادة ، "تقدم اسامة يا دادا ، تقدم اسامة "
وتعجبت منك حين لم تصبرى حتى يخبرك والدك باسم المتقدم لكنك كنت على ثقة من انه هو اسامه ، ثم حصل قضاء الله ، سكتت المربية قليلا من دموع تجمعت فى مقلتيها ، تركت يد نادين ورفعت منظارها الطبى ومسحت بيديها دموعها ثم اكملت .
كانت الصدمة قوية على الجميع، والدتك عانت من اكتئاب وسامر لم يكن احد يشعر بما يعانى او يعلم أمره ، كان يخرج كثيرا ويسهر خارج البيت كثيرا وانت كنت صامته طيلة الوقت لا تخرجين من غرفتك ، كانت صدمتك اشد فأسامة يا حبة عينى قد توفى فى نفس الحادث ، ضاعت امالك واحلامك التى كنت تبنينها ، ابتسمت المربية ابتسامة حزينه وقالت : كنت تحلمين بانك ستعملين فى الشركه مع والدك وعندما تتزوجين من اسامة ستتركين العمل وتتفرغى للبيت والاولاد ..كنت تحلمين بان تنجبى 5 من الاولاد والبنات ، وعندما كنت أسألك ولما خمسة كنت تضحكين وتقولين ثلاث من البنات ومن الاولاد اثنين فقط لا اريد اكثر من هذا .
لكن كل احلامك طارت فى غمضة عين ، تنهدت المربية بأسى وقالت اللهم لا اعتراض .ثم اكملت
بعد شهر من الحادث اتى الدكتور شادى وتقدم لخطبتك مما اثار اندهاش والدتك جدا لكنه اخبرنا انه هو من تقدم قبل الحادث ولولا الحادث لتمت الخطبة من شهر مضى لعلمه من الدكتور سامى والانسة نادين الموافقة على طلبة .
كنت حاضرة مع والدتك وقتها ، حاولت تذكر الاسم الذى قاله الدكتور سامى يوم اخبرك بامر المتقدم لكن ذاكرتى لم تسعفنى واظن ان والدتك ايضا اعتقدت انه هو من اخبركم عنه قبل وفاته  ، طلبت منه مهلة لاعادة فتح الموضوع معك ، كنت قلقه عليك من الامر ، كنت اعلم انك لم تتجاوزى المحنة بعد وانك كنت تودين غيره ، فاتحتك والدتك وشب شجار كبير بينكما ، كانت تحاول اخبارك بان شادى هو من كان المتقدم وليس اسامة كما اعتقدت وان والدك كان موافقا وسعيدا به ، كانت ترى ان خطبتك فى ذلك الوقت ستخرجك من محنتك وحزنك ، ظل الشجار بينكما رغم ان والدتك قد رتبت الامر مع دكتور شادى واتفقت معه على كل التفاصيل ، لم تكن هناك خطبه كان الزواج مباشرة ، استعطفتك والدتك وطرقت على قلبك المسكين بأن والدك سكون سعيدا فى قبره بهذا الزواج لانه كان موافقا عليه وسعيدا به قبل مماته ، وافقت على مضض فقط من اجل سعادة ابيك فى قبره  ، مسكينه امك ،كانت تبكى كثيرا ، كانت خائفة وتائهة ، لم يكن ابيك لها زوجا فقط ، كان الزوج والاخ والاب والسند ، لم تكن تعرف الطريق الا معه ، بل لم تكن تعرف الحياة الا به ، امرأة مثلى فقدت زوجها وحبيبها تقدر بالفعل  مشاعرها والمها ، تحدثت اليها ذات مرة فصارحتنى بخوفها من المسؤلية التى اصبحت على عاتقها انت وسامر والشركة والاموال ، من سيراعى ويتدبر كل ذلك وهى يا قلبى لا تعرف الحياة الا من عيون ونظارات والدك ، لذا احست الدكتور شادى طوق النجاة ،
توقفت المربية عن الكلام قليلا تستنشق الهواء وتشرب من كأس الماء رشفة تبلل بها حلقها الذى جف من كثرة الكلام
فتحركت نادين للامام تنتظر استكمالها للرواية وسألتها متلهفة
قولى يا دادا هل تزوجت شادى مجبرة ؟!! ألم اكن سعيدة معه !!! ألم اكن احبه ؟!
اعتدلت المربية فى جلستها واكملت بكل هدوء
لا لم تجبرك والدتك بل وافقت واتممت كل شىء برضاك ، لكن داخلك الحزين ظل حزينا، الى ان ……
نادين : الى ان ماذا ؟!!
المربية : الى ان اتيت الينا صباح زفافك
رجعت نادين للخلف مشدوهة
فأكملت المربية : مع خيط النهار كنت تطرقين الجرس ، كنت منفعله جدا
اغلقت امك الباب فلم نسمع سوى اصواتكم العالية ولم نفهم ما حدث
قالت نادين : وما الذى حدث لاعود هكذا ؟!!
المربية : علمت منك فيما بعد ان زوجك كان ثملا ليلة الزفاف ويبدوا انه اثقل فى ذلك ، وانت كنت تكرهين هذا الامر وفى حدة نقاشكما اعترف لك انه انتهز فرصة موت اسامة وتقدم لطلبك وفوجأ بوالدتك انها ظنته هو من تقدم الى ابيك قبل موته فأكمل الدور على ذلك .
قالت نادين : طبعا صدمت ،والداعى للزواج منه ، على اساس ان ذلك سيسعد ابى لانها رغبته ، قد زال .
المربية : لذلك لم تتحملى وتركت البيت بعد ساعات من زفافك
نادين : كيف تصرفت امى حيالى .
المربية : اعادتك امك فى نفس الساعة الى بيته ، كنا انشغلنا بزفافك ثم بمشكلتك وطلبك الطلاق واجبار امك لك للعيش مع شادى ، شغلنا ذلك كله عن سامر ، حتى ضاع الولد ، بكت المربية مره اخرى ولكن هذه المرة بحراره ، فتساقطت كذلك دمعات من عينى نادين وقالت : وكيف كان ذلك
قالت المربية : اصدقاء السوء واولاد الحرام دلوه على المخدرات ، ذلك اليوم تناول جرعة كبيرة اودت بحياته .
لم يمر بعدها سوى اسبوعان تركتك فيها والدتك فى منزلكم وبعدها طلبت
من زوجك اصطحابك لمنزله ، عدت فى حالة سيئة جدا، يومان واتصل شادى يخبرنا انك فى المشفى وقد نجوت من محاولة انتحار .
انتفضت نادين : انتحار !!
قالت المربية : نعم ، عدت معك الى منزلك ارعاك حتى تستردين عافيتك ،ثم عدت الى المنزل لأظل بجانب والدتك ، طلبت الطلاق ، ولما رفض هددتيه بالانتحار ، ولما فشلت محاولتك الاولى هددتيه ثانية ، حتى رضخ لمطلبك وتم الطلاق ، والدتك لم تسلم بالامر وكانت تتشاجر معك ، هاتفت شادى ليأتى لردك ، وفى المساء كنا نظنك فى غرفتك حين وصل شادى كنت اختفيت ، بحثوا عنك فلم يجدوك فأخبروا الشرطه التى وجدت فى اليوم التالى سيارتك بجوار الشاطىء واغراضك كلها وورقه مكتوب بها " الان انتهت كل عذاباتى "
دارت الغرفه بنادين التى ارهقها الصداع الشديد كما ارهقتها حكايتها على لسان مربيتها العجوز ، قامت فشعرت بدوار فجلست مره اخرى ممسكة بيد المربية واليد الاخرى الخادمة التى اتت معها ..
حاولت ان تبتسم بمرارة فى وجه السيدة العجوز التى انتفضت لوجة نادين الاصفر ويديها التى ترتعش وقالت : اشكرك يا دادا ..اشكرك بشدة
رتبت المربية على كتفها وقالت : الحمد لله انك بخير ولم تصابى بأذى .
قبلت يديها وقامت تحمل الماضى الغائب ، تستعيد كل ما قالته السيدة العجوز وتمرره على عقلها وقلبها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق